
وسط زحمة الأسواق، وتحديدًا في حيّ المباركية الذي يحتفظ بروحه القديمة رغم التحديثات، يقف متجر "مجوهرات العامر" مثل قطعة ذهبية نادرة. إنه ليس مجرد محل لبيع المجوهرات كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل هو امتداد لذاكرة اجتماعية كويتية ما زالت تجد في الذهب رمزًا للترابط، والفرح، والهوية.
في ثقافة الكويت، لا يُهدى الذهب فقط لمجرد القيمة المادية، بل يحمل في كل قطعة رسالة، سواء كانت عقدًا يقدَّم لعروس، أو سوارًا تشتريه أم لابنتها في أول عيد. هذا البعد العاطفي للذهب هو ما يتقنه "العامر"؛ إذ لا يبيع مجوهرات باردة من خلف الرفوف، بل يقترح قطعًا تحمل ما يكفي من الحميمية لترافق من تقتنيها لسنوات طويلة، وربما تتوارثها الأجيال.
يُلاحظ الزائر لمجوهرات العامر كيف أن التصميمات المعروضة ليست مجرد انعكاس للموضة الدارجة، بل تمزج ببراعة بين رمزية الشكل ودفء الذكرى. تجد فيها نقوشًا مألوفة من التراث الكويتي، تفاصيل تذكّر بحرفيي الذهب القدماء، ولمسات عصرية تراعي ذوق الشابات اليوم. هذا التوازن بين الأصالة والتجديد هو ما يجعل المتجر وجهة مفضلة للباحثين عن شيء "يُشبههم".
بعيدًا عن عروض الرفاهية السطحية التي تُقدّمها بعض المتاجر، يتعامل "العامر" مع زبائنه بمنطق الصدق لا الإبهار. لا توجد وعودٌ مبالغ بها، بل شفافية في الأسعار، وتفصيل دقيق في عرض المصنعية، وكأن كل قطعة ذهب تُقدَّم للمشتري محاطة بثقة لا تحتاج إلى تبرير.
اللافت في قصة "مجوهرات العامر" أنه استطاع أن يُحافظ على طابعه المحلي في زمن تحوّلت فيه المجوهرات إلى ماركات عابرة للحدود واللغات. هنا، في محل صغير نسبياً، يُعاد تعريف معنى "المجوهرات" كل يوم، ليس بوصفها ترفًا، بل كجزء من حكاية الناس، من ذوقهم، ومناسباتهم، وربما حتى من موروثهم العاطفي.
في نهاية المطاف، لا يمكن للزائر أن يغادر مجوهرات العامر دون أن يشعر بأنه مرّ على أكثر من محل ذهب. لقد مرّ على حكاية، مكتوبة بلون الذهب، لكن محتواها إنساني صرف